ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الله خلق الخلق، وجعل منهم فريقا سعداء، وهم أهل الجنة، وفريقا أشقياء وهم أصحاب السعير، جاء موضحا في آيات أخر كقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن: ٢]، وقوله تعالى: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: ١١٨-١١٩]، أي ولذلك الاختلاف، إلى مؤمن وكافر وشقي وسعيد، خلقهم على الصحيح، ونصوص الوحي الدالة على ذلك كثيرة جدا.
وقد ذكرنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، وجه الجمع بين قوله: ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: ١١٩]، على التفسير المذكور، وبين قوله: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذريات: ٥٦]، وسنذكر ذلك إن شاء الله في سورة الذاريات.
وقد قدمنا معنى السعير بشواهده العربية في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [الحج: ٤]، والجنة في لغة العرب البستان.
ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
كأن عيني في غربي مقتلة... من النواضح تسقي جنة سحقا
فقوله: جنة سحقا، يعني بستانا طويل النخل، وفي اصطلاح الشرع هي دار الكرامة التي أعد الله لأوليائه يوم القيامة.
والفريق: الطائفة من الناس، ويجوز تعدده إلى أكثر من اثنين، ومنه قول نصيب:
فقال فريق القوم لا، وفريقهم... نعم وفريق قال ويحك ما ندري
والمسوغ للابتداء بالنكرة في قوله: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ﴾ أنه في معرض التفصيل.
ونظيره من كلام العرب قول امرىء القيس:
فلما دنوت تسديتها... فثوب نسيت وثوب أجر
قوله تعالى: ﴿وَما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾.
ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن ما اختلف فيه الناس من الأحكام فحكمه إلى الله وحده، لا إلى غيره، جاء موضحا في آيات كثيرة.


الصفحة التالية
Icon