وقد قدمنا الكلام على النطفة مستوفي من جهات في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [النحل: ٤]، وفي سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ﴾ [الحج: ٥]، وفي كل من الموضعين زيادة ليست في الآخر.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من الاستدلال بخلق النوعين، أعني الذكر والأنثى من النطفة جاء موضحا في غير هذا الموضع، وأنه يستدل به على أمرين: هما قدرة الله على البعث، وأنه ما خلق الإنسان إلا ليكلفه ويجازيه، وقد جمع الأمرين قوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: ٣٦-٤٠]، فذكر دلالة ذلك على البعث في قوله: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾، وذكر أنه ما خلقه ليهمله من التكليف والجزاء، منكرا على من ظن ذلك بقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ أي مهملا من التكليف والجزاء.
وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً﴾ [الفرقان: ٥٤].
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له، وأحلنا عليها مرارا كثيرة.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى﴾.
وقد قدمنا الآيات الموضحة لما أهلك به عادا، والآيات الموضحة لما أهلك به ثمود في سورة فصلت في قوله تعالى في الكلام في شأن عاد: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً﴾ [فصلت: ١٦]، وقوله في شأن ثمود: ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ﴾ [فصلت: ١٧].
قوله تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾.
قوله: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ معطوف على قوله: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى﴾ أي وأهلك قوم نوح ولم يبين هنا كيفية إهلاكهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر من


الصفحة التالية
Icon