[النحل: ٤]، وقوله: في آخر يس: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٧٧].
فالإنسان بالأمس نطفة واليوم هو في غاية البيان وشدة الخصام يجادل في ربه وينكر قدرته على البعث، فالمنافاة العظيمة التي بين النطفة وبين الإبانة في الخصام، مع أن خلقه من نطفة وجعله خصيما مبينا آية من آياته جل وعلا دالة على أن المعبود وحده، وأن البعث من القبور حق.
وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: ﴿خَلَقَ الْإِِنْسَانَ﴾ لم يبين هنا أطوار خلقه للإنسان، ولكنه بينها في آيات أخر كقوله تعالى في الفلاح: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٢-١٤]، والآيات المبينة أطوار خلق الإنسان كثيرة معلومة.
وقد بينا ما يتعلق بالإنسان من الأحكام في جميع أطواره قبل ولادته في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الحج: ٥]، وبينا هناك معنى النطفة والعلقة والمضغة في اللغة.
وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ التحقيق فيه أن المراد بالبيان الإفصاح عما في الضمير.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أنه علم الإنسان البيان قد جاء موضحا في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [النحل: ٤] في سورة النحل ويس، وقوله: ﴿مُبِينٌ﴾ على أنه اسم فاعل أبان المتعدية، والمفعول محذوف للتعميم، أي مبين كل ما يريد بيانه، وإظهاره بلسانه مما في ضميره، وذلك لأنه ربه علمه البيان، وعلى أنه صفة مشبهة من أبان اللازمة، وأن المعنى ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ أي بين الخصومة ظاهرها، فكذلك أيضا، لأنه ما كان بين الخصومة إلا لأن الله ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾.
وقد امتن الله جل وعلا على الإنسان بأنه جعل له آلة البيان التي هي اللسان والشفتان، وذلك في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ﴾ [البلد: ٨-٩].