وقد بينا في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الحج: ٥]، وقوله: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ﴾ [طه: ٥٥]، أن المراد بخلقهم منها هو خلق أبيهم آدم منها، لأنه أصلهم وهم فروعه، ثم إن الله تعالى عجن هذا التراب بالماء فصار طينا، ولذا قال: ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾ [الإسراء: ٦١] وقال: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢]، وقال تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: ٧]، وقال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾ [الصافات: ١١]، وقال تعالى: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ﴾ [صّ: ٧١] ثم خمر هذا الطين فصار حما مسنونا، أي طينا أسود متغير الريح، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٦]، قال تعالى: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٨] وقال عن إبليس: ﴿قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٣٣]، والمسنون قيل المتغير وقيل المصور وقيل الأملس، ثم يبس هذا الطين فصار صلصالا؛ كما قال هنا: ﴿خَلَقَ الْإِِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ وقال: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾.
فالآيات يصدق بعضها بعضها، ويتبين فيها أطوار ذلك التراب؛ كما لا يخفى.
قوله: ﴿وَالْجَانَّ﴾ أي وخلق الجان وهو أبو الجن، وقيل هو إبليس، وقيل: هو الواحد من الجن.
وعليه فالألف واللام للجنس، والمارج: اللهب الذي لا دخان فيه، وقوله: ﴿مِنْ نَارٍ﴾ بيان لمارج. أي من لهب صاف كائن من النار.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أنه تعالى خلق الجان من النار، جاء موضحا في غير هذا الموضع كقوله تعالى في الحجر: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢].
وقد أوضحنا الكلام على هذا في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٣٤].
قوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾.


الصفحة التالية
Icon