ومن هذا المعنى، قولهم: حمل الفارس على قرنه فما كذب، أي ما تأخر ولا تخلف ولا جبن.
ومنه قول زهير:

ليث يعثر يصطاد الرجال إذا ما كذب الليث عن أقرانه صدقا
وهذا المعنى قد دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [النساء: ٨٧]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا﴾ [الحج: ٧]، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٩]، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة شورى في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [الشورى: ٧].
الوجه الثاني: أن اللام في قوله: ﴿لِوَقْعَتِهَا﴾ ظرفية، و ﴿كَاذِبَةٌ﴾ اسم فاعل صفة لمحذوف أي ليس في وقعة الواقعة نفس كاذبة بل جميع الناس يوم القيامة صادقون بالاعتراف بالقيامة مصدقون بها ليس فيهم نفس كاذبة بإنكارها ولا مكذبة بها.
وهذا المعنى تشهد له في الجملة آيات من كتاب الله كقوله تعالى: ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [الشعراء: ٢٠١]، وقوله تعالى: ﴿وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥].
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة النمل في الكلام على قوله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل: ٦٦]، وباقي الأوجه قد يدل على معناه قرآن ولكنه لا يخلو من بعد عندي، ولذا لم أذكره، وأقربها عندي الأول.
قوله تعالى: ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ﴾.
خبر مبتدأ محذوف أي هي خافضة رافعة، ومفعول كل من الوصفين محذوف.
قال بعض العلماء: تقديره هي خافضة أقواما في دركات النار، رافعة أقواما إلى الدرجات العلى إلى الجنة، وهذا المعنى قد دلت عليه آيات كثيرة كقوله: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ


الصفحة التالية
Icon