وجزاؤها في أول هذه السورة الكريمة جاءت هي وجزاؤها أيضا في آخرها، وذلك في قوله: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ، فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ، وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾.
والمكذبون هم أصحاب المشأمة وهم أصحاب الشمال.
وذكر تعالى بعض صفات أصحاب الميمنة والمشأمة في البلد في قوله تعالى: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ، عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾ [البلد: ١٣-٢٠].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾، وقوله: ﴿مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾ استفهام أريد به التعجب من شأن هؤلاء في السعادة، وشأن هؤلاء في الشقاوة، والجملة فيهما مبتدأ وخبر، وهي خبر المبتدأ قبله، وهو أصحاب الميمنة في الأول وأصحاب المشأمة في الثاني.
وهذا الأسلوب يكثر في القرآن نحو: ﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ﴾، ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾، والرابط في جملة الخبر في جميع الآيات المذكورة هو إعادة لفظ المبتدأ في جملة الخبر كما لا يخفي، وقوله: ﴿وَالسَّابِقُونَ﴾ لم يذكر فيه استفهام تعجب كما ذكره فيما قبله، ولكنه ذكر في مقابلة تكرير لفظ السابقين.
والأظهر في إعرابه أنه مبتدأ وخبر على عادة العرب في تكريرهم اللفظ وقصدهم الإخبار بالثاني عن الأول، يعنون أن اللفظ المخبر عنه هو المعروف خبره الذي لا يحتاج إلى تعريف ومنه قول أبي النجم:
أنا أبو النجم وشعري شعري | لله درى ما أجن صدري |
قوله تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾.
وقوله: ﴿ثُلَّةٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف، والتقدير، هم ثلة، والثلة الجماعة من الناس،