الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨].
قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي ينزل على عبده محمد ﷺ آيات بينات، أي واضحات، وهي هذا القرآن العظيم، ليخرج الناس بهذا القرآن العظيم المعبر عنه بالآيات البينات من الظلمات، أي من ظلمات الكفر والمعاصي إلى نور التوحيد والهدى، وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء مبينا في قوله تعالى في الطلاق: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً، رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الطلاق: ١٠-١١]، وآية الطلاق هذه بينت أن آية الحديد من العام المخصوص، وأنه لا يخرج بهذا القرآن العظيم من الظلمات إلى النور إلا من وفقهم الله للإيمان والعمل الصالح، فقوله في الحديد: ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾ أي بشرط الإيمان والعمل الصالح بدليل قوله: ﴿لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾.
فالدعوة إلى الإيمان بالقرآن والخروج بنوره من ظلمات الكفر عامة، ولكن التوفيق إلى الخروج به من الظلمات إلى النور خاص بمن وفقهم الله، كما دلت عليه آيات الطلاق المذكورة والله جل وعلا يقول: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: ٢٥].
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون القرآن نورا يخرج الله به المؤمنين من الظلمات إلى النور، جاء موضحا في آيات من كتاب الله كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً [النساء: ١٧٤]، وقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: ١٥-١٦] وقوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾ [التغابن: ٨] وقوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى: ٥٢].