وقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: ٢١]، فقد سمى تعالى الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله شركاء، ومما يزيد ذلك إيضاحا، أن ما ذكره الله عن الشيطان يوم القيامة، من أنه يقول للذين كانوا يشركون به في دار الدنيا، ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾، أن ذلك الإشراك المذكور ليس فيه شيء زائد على أنه دعاهم إلى طاعته فاستجابوا له كما صرح بذلك في قوله تعالى عنه: ﴿وَما كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾، وهو واضح كما ترى.
قوله تعالى: ﴿فَاطِرُ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ﴾.
قوله تعالى: ﴿فَاطِرُ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ تقدم تفسيره في أول سورة فاطر، وقوله ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾ أي خلق لكم أزواجا من أنفسكم كما قدمنا الكلام عليه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢]، وبينا أن المراد بالأزواج الإناث كما يوضحه قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: ٢١]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾ [النجم: ٤٥-٤٦]، وقوله: ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [القيامة: ٣٩]، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهارِ إِذَا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [الليل: ٣]، وقوله في آدم: ﴿يَا أَيُّها الناسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها﴾ [النساء: ١]، وقوله تعالى فيه أيضا: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها﴾ [الأعراف: ١٨٩]، وقوله تعالى فيه أيضا: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها﴾ [الزمر: ٦].
وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً﴾ هي الثمانية المذكورة في قوله تعالى: ﴿ثَمانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضانِ اثْنَيْنِ﴾، وفي قوله: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها﴾ [الزمر: ٦]، وهي ذكور الضان والمعز والإبل والبقر وإناثها، كما قدمنا إيضاحه في سورة آل عمران في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾.


الصفحة التالية
Icon