والأكنة، جمع كنان، وهو الغطاء والغلاف الذي يغطي الشيء ويمنعه من الوصول إليه.
ويعنون أن تلك الأغطية، مانعة لهم من فهم ما يدعوهم إليه صلى الله عليه وسلم، وقالوا إن في آذانهم التي يسمعون بها وقرا أي: ثقلا وهو الصمم. وأن ذلك الصمم مانع لهم من أن يسمعوا من النبي ﷺ شيئا، ومما يقول، كما قال تعالى عنهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦].
وأن من بينهم وبينه حجابا، مانعا لهم من الاتصال والاتفاق، لأن ذلك الحجاب يحجب كلا منهما عن الآخر، ويحول بينهم وبين رؤية ما يبديه ﷺ من الحق.
والله جل وعلا، ذكر عنهم هذا الكلام في معرض الذم، مع أنه تعالى صرح بأنه جعل على قلوبهم الأكنة، وفي آذانهم الوقر، وجعل بينهم وبين رسوله حجابا، عند قراءته القرآن، قال تعالى في سورة بني إسرائيل: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ [الإسراء: ٤٥-٤٦]، وقال تعالى في الأنعام: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ [الأنعام: ٢٥]، وقال تعالى في الكهف: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾ [الكهف: ٥٧].
وهذا الإشكال الذي أشرنا إليه في هذه الآيات قوي، ووجه كونه مشكلا ظاهر، لأنه تعالى ذمهم على دعواهم الأكنة والوقر والحجاب في هذه الآية الكريمة من فصلت، وبين في الآيات الأخرى أن ما ذمهم على ادعائه واقع بهم فعلا، وأنه تعالى هو الذي جعله فيهم.
فيقال: فكيف يذمون على قول شيء، هو حق في نفس الأمر.
والتحقيق في الجواب عن هذا الإشكال، هو ما ذكرناه مرارا، من أن الله إنما جعل على قلوبهم الأكنة، وطبع عليها وختم عليها، وجعل الوقر في آذانهم، ونحو ذلك من الموانع من الهدى، بسبب أنهم بادروا إلى الكفر، وتكذيب الرسل طائعين مختارين، فجزاهم الله على ذلك الذنب الأعظم، طمس البصيرة، والعمى عن الهدى، جزاء وفاقا.