مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: ٧].
قوله تعالى: ﴿وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾.
الضمير في قوله: ﴿فِيهِ﴾، راجع إلى الدين في قوله: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن الافتراق في الدين، جاء مبينا في غير هذا الموضع، وقد بين تعالى أنه وصى خلقه بذلك، فمن الآيات الدالة على ذلك، قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٣]، وقد بين تعالى في بعض المواضع أن بعض الناس لا يجتنبون هذا النهي، وعددهم على ذلك كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [ الأنعام: ١٥٩]، لأن قوله: ﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ إلى قوله: ﴿يَفْعَلُونَ﴾ فيه تهديد عظيم لهم.
وقوله تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ، فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٢-٥٤].
فقوله: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أي إن هذه شريعتكم شريعة واحدة ودينكم دين واحد، وربكم واحد فلا تتفرقوا في الدين.
وقوله جل وعلا: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً﴾ دليل على أنهم لم يجتنبوا ما نهوا عنه من ذلك.
وقوله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾ فيه تهديد لهم ووعيد عظيم على ذلك. ونظير ذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا رَاجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٢-٩٣]، فقوله تعالى: ﴿كُلٌّ إِلَيْنا رَاجِعُونَ﴾ فيه أيضا تهديد لهم ووعيد على ذلك وقد أوضحنا تفسير هذه الآيات في آخر سورة الأنبياء في الكلام على قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon