إسرائيل: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [الإسراء: ٣٥].
فإن قيل: قد اخترتم أن المراد بالميزان في سورة الشورى وسورة الحديد، هو العدل والإنصاف، وأن المراد بالميزان في سورة الرحمن هو آلة الوزن المعروفة، وذكرتم نظائر ذلك من الآيات القرآنية، وعلى هذا الذي اخترتم يشكل الفرق بين الكتاب والميزان، لأن الكتب السماوية كلها عدل وإنصاف.
فالجواب من وجهين:
الأول منهما: هو ما قدمنا مرارا من أن الشيء الواحد إذا عبر عنه بصفتين مختلفتين جاز عطفه على نفسه تنزيلا للتغاير بين الصفات منزلة التغاير في الذوات، ومن أمثلة ذلك في القرآن قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ [الأعلى: ١-٤]، فالموصوف واحد والصفات مختلفة، وقد ساغ العطف لتغاير الصفات. ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر:

إلى الملك القرم وابن الهما م وليث الكتيبة في المزدحم
وأما الوجه الثاني: فهو ما أشار إليه العلامة ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين، من المغايرة في الجملة بين الكتاب والميزان.
وإيضاح ذلك: أن المراد بالكتاب هو العدل والإنصاف المصرح به في الكتب السماوية.
وأما الميزان: فيصدق بالعدل والإنصاف الذي لم يصرح به في الكتب السماوية، ولكنه معلوم مما صرح به فيها.
فالتأفيف في قوله تعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣]، من الكتاب لأنه مصرح به في الكتاب، ومنع ضرب الوالدين مثلا المدلول عليه بالنهي على التأفيف من الميزان، أي من العدل والإنصاف الذي أنزله الله مع رسله.
وقبول شهادة العدلين في الرجعة والطلاق، المنصوص في قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]، من الكتاب الذي أنزله الله، لأنه مصرح به فيه.


الصفحة التالية
Icon