القول الرابع: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، أي إلا أن تتوددوا إلى قراباتكم وتصلوا أرحامكم، ذكر ابن جرير هذا القول عن عبد الله بن قاسم، وعليه أيضا فلا إشكال.
لأن صلة الإنسان رحمه ليست أجرا على التبليغ، فقد علمت الصحيح في تفسير الآية وظهر لك رفع الإشكال على جميع الأقوال.
وأما القول بأن قوله تعالى: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ منسوخ بقوله تعالى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ [سبأ: ٤٧]، فهو ضعيف، والعلم عند الله تعالى، انتهى منه.
وقد علمت مما ذكرنا فيه أن القول الأول هو الصحيح في معنى الآية.
مع أن كثيرا من الناس يظنون أن القول الثاني هو معنى الآية، فيحسبون أن معنى ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ إلا أن تودوني في أهل قرابتي.
وممن ظن ذلك محمد السجاد حيث قال لقاتله يوم الجمل: أذكرك حم يعني سورة الشورى هذه، ومراده أنه من أهل قرابة رسول الله ﷺ فيلزم حفظه فيهم، لأن الله تعالى قال في حم هذه: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ فهو يريد المعنى المذكور، يظنه هو المراد بالآية، ولذا قال قاتله في ذلك:

ذكرني حاميم والرمح شاجر فهل لا تلا حاميم قبل التقدم
وقد ذكرنا هذا البيت والأبيات التي قبله في أول سورة هود، وذكرنا أن البخاري ذكر البيت المذكور في سورة المؤمن، وذكرنا الخلاف في قائل الأبيات الذي قتل محمدا السجاد بن طلحة بن عبيد الله يوم الجمل، هل هو شريح بن أبي أوفي العبسي كما قال البخاري، أو الأشتر النخعي، أو عصام بن مقشعر، أو مدلج بن كعب السعدي، أو كعب بن مدلج.
وممن ظن أن معنى الآية هو ما ظنه محمد السجاد المذكور الكميت في قوله في أهل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وجدنا لكم في آل حاميم آية تأولها مناتقي ومعرب
والتحقيق إن شاء الله أن معنى الآية هو القول الأول: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾،


الصفحة التالية
Icon