بقدر، أي بمقدار معلوم عنده جل وعلا، وهو جل وعلا أعلم بالحكمة والمصلحة في مقدار كل ما ينزله. وقد أوضح هذا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر: ٢١]، وقوله تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: ٨] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة النور في الكلام على قوله تعالى: ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النارُ﴾ [النور: ٥٧].
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ﴾.
قوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ أي من علاماته الدالة على قدرته واستحقاقه للعبادة وحده، الجواري وهي السفن واحدتها جارية، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١]، يعني سفينة نوح، وسميت جارية لأنها تجري في البحر.
وقوله: ﴿كَالْأَعْلامِ﴾ أي كالجبال، شبه السفن بالجبال لعظمها.
وعن مجاهد أن الأعلام القصور، وعن الخليل: أن كل مرتفع تسميه العرب علما، وجمع العلم أعلام.
وهذا الذي ذكره الخليل معروف في اللغة، ومنه قول الخنساء ترثي أخاها صخرا:

وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن جريان السفن في البحر، من آياته تعالى الدالة على كمال قدرته، جاء موضحا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ الناسَ﴾ إلى قوله: ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤]، وقوله تعالى في سورة النحل: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النحل: ١٤]، وقوله في فاطر: {وَتَرَى


الصفحة التالية
Icon