والأظهر أنها الجنة، ويدل له حديث: "الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم" في تفسير قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]، كما قدمناه.
وآية النجم المذكورة هي قوله تعالى: ﴿وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١]، ثم بين المراد بالذين أحسنوا في قوله: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كبائر الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [النجم: ٣٢].
وأظهر الأقوال في قوله: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾، أن المراد باللمم صغائر الذنوب، ومن أوضح الآيات القرآنية في ذلك قوله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كبائر مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١]، فدلت على أن اجتناب الكبائر سبب لغفران الصغائر، وخير ما يفسر به القرآن، القرآن.
ويدل لهذا حديث ابن عباس الثابت في الصحيح: قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي ﷺ قال: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمني وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه".
وعلى هذا القول فالاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ منقطع، لأن اللمم الذي هو الصغائر على هذا القول لا يدخل في الكبائر والفواحش، وقد قدمنا تحقيق المقام في الاستثناء المنقطع. في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً﴾ [مريم: ٦٢].
وقالت جماعة من أهل العلم: الاستثناء متصل فالواو وعليه، فمعنى: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ : إلا أن يلم بفاحشة مرة ثم يجتنبها ولا يعود لها بعد ذلك.
واستدلوا لذلك بقول الراجز:
إن تغفر اللهم تغفر جما... وأي عبد لك ما ألما
وروى هذا البيت ابن جرير والترمذي وغيرهما مرفوعا، وفي صحته مرفوعا نظر.


الصفحة التالية
Icon