وقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا﴾ أي الذي ذلل لنا هذا الذي هو ما نركبه من الأنعام والسفن لأن الأنعام لو لم يذللها الله لهم لما قدروا عليها ولا يخفي أن الجمل أقوى من الرجل، وكذلك البحر لو لم يذلله لهم ويسخر لهم إجراء السفن فيه لما قدروا على شيء من ذلك.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ أي مطيقين. والعرب تقول: أقرن الرجل للأمر وأقرنه إذا كان مطيقا له كفؤا للقيام به من قولهم: أقرنت الدابة للدابة، بمعنى أنك إذا قرنتهما في حبل قدرت على مقاومتها، ولم تكن أضعف منها، فتجرها لأن الضعيف إذا لز في القرن أي الحبل، مع القوي جره ولم يقدر على مقاومته، كما قال جرير:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن | لم يستطع صولة البزل القناعيس |
وهذا المعنى معروف في كلام العرب، ومنه قول عمرو بن معد يكرب وقد أنشده قطرب لهذا المعنى:
لقد علم القبائل ما عقيل | لنا في النائبات بمقرنينا |
وقول ابن هرمة:وأقرنت ما حملتني ولقلما | يطاق احتمال الصدياد عدو الهجر |
وقول الآخر:ركبتم صعبتي أشرا وحيفا | ولستم للصعاب بمقرنينا |
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن ما ذكر من السفن والأنعام لو لم يذلله الله لهم لما أقرنوا له ولما أطاقوه جاء مبينا في آيات أخر، قال تعالى في ركوب الفلك:
﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤١-٤٢]، وقال تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً﴾ [النحل: ١٤]، وقال تعالى:
﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الجاثية: ١٢]، وقال تعالى:
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ﴾.