مَسْؤُولاً} [٣٣/١٥].
ففي الآية الأولى تمنوا نزول سورة يؤذن فيها بالقتال فلما نزلت صار مرضى القلوب كالمغشي عليه من الموت.
وفي الثانية قيل لهم كفوا أيديكم عن القتال فتمنوا الإذن لهم فيه فلما كتب عليهم رجعوا وتمنوا لو أخرجوا إلى أجل قريب.
وفي الثالثة أعطوا العهود على الثبات وعدم التولي وكان عهد الله مسؤولا فلما كان في أحد وقع ما وقع وكذلك في حنين ويشهد لهذا أيضا قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَما تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ﴾ [٣٣/١٣-١٥]،
ففي هذا السياق بيان لعتابهم على نقض العهد وهو معنى لم تقولون ما لا تفعلون سواء بسواء ويقابل هذا أن الله تعالى امتدح طائفة أخرى منهم حين أوفوا بالعهد وصدقوا ما عاهدوا الله عليه في قوله تعالى ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا ما عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [٣٣/٢٣].
ثم بين الفرق بين الفريقين بقوله بعدها ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيما وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً﴾ الآية [٣٣/٢٤ -٢٥]، وذلك في غزوة الأحزاب.
فتبين بهذا أن الفعل المغاير للقول هنا هو عدم الوفاء بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم من قبل فاستوجبوا العتاب عليه كما تبين أن الذين وفوا بالعهد استوجبوا الثناء على الوفاء وقد استدل بالآية من عموم لفظها على الإنكار على كل من خالف قوله فعله سواء في عهد أو وعد أو أمر أو نهي.
ففي الأمر والنهي كقوله تعالى ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [٢/٤٤].
وكقوله عن نبي الله شعيب لقومه ﴿وَما أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى ما أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ [١١/٨٨].


الصفحة التالية
Icon