قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَما زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: ٥]. قول موسى عليه السلام ﴿لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ ؟ لم يبين نوع هذا الإيذاء وقد جاء مثل هذا الإجمال في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِما قَالُوا﴾ [٣٣/٦٩].
وأحال عليه ابن كثير في تفسيره وساق حديث البخاري أنه ﷺ قال: "إن موسى عليه السلام كان حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يتستر هذا التستر إلا من عيب في جلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وأن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا فخلا يوما وحده فخلع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وأن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله عز وجل وبرأه مما يقولون" إلى آخر القصة.
ونقله غيره من المفسرين عندها وعلى هذا يكون إيذاؤهم إياه إيذاء شخصيا بادعاء العيب فيه خلقة وهذا وإن صح في آية الأحزاب لقوله تعالى ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِما قَالُوا﴾ [٣٣/٦٩] فإنه لا يصح في آية الصف هذه لأن قول لهم ﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ [٦١/٥]، مما يثير إلى أن الإيذاء في جانب الرسالة لا في جانبه الشخصي ويرشح له قوله تعالى بعده مباشرة ﴿فَلَما زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [٦١/٥].
أي فلما زاغوا بما آذوا به موسى فيكون إيذاء قومه له هنا إيذاء زيغ وضلال وقد آذوه كثيرا في ذلك كما بينه تعالى في قوله عنهم ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [٢/٥٥].
وكذلك قوله تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [٢/٩٣].
فها هم يؤخذ الميثاق عليهم ويرفع فوقهم الطور ويقال لهم {خُذُوا ما آتَيْنَاكُمْ