تنبيه
في هذه الآية مبحث بلاغي في تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء فقالوا الخبر ما احتمل الصدق والكذب لذاته فذهب الجمهور إلى أنه ينحصر فيهما بلا واسطة والمخبر إما صادق وإما كاذب وهذا بناء على مطابقة الخبر للواقع أو عدم مطابقته ولا علاقة له بالاعتقاد.
قال السعد في التلخيص وقال بعض الناس صدق الخبر وكذبه مطابقته لاعتقاد المخبر لا للواقع واستدلوا لذلك بأن عدم مطابقته للواقع يكون من قبيل الخطأ لا من قبيل الكذب.
ولحديث عائشة رضي الله عنها عن عمر "ما كذب ولكنه وهم" وهذا مذهب الجاحظ وهو صدق الخبر مطابقته للواقع مع اعتقاد المخبر مستدلا بالآية ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾، مع قولهم ﴿إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ فكذبهم الله مع أن خبرهم مطابق للواقع لكنهم لم يعتقدوا ما قالوا فكذبهم الله لذلك.
ومقتضى مذهب الجاحظ القول بوجود واسطة بين الصدق والكذب وهي عدم اعتقاد المخبر لما أخبر به ولو طابق الواقع ولكن ما قدمناه من كلام أبي حيان يرد هذا المذهب ويبطل استدلال الجاحظ ومن وافقه بالآية لأن تكذيب الله إياهم منصب على قولهم قالوا نشهد والشهادة أخص من الخبر ولأنهم ضمنوا شهادتهم التأكيد المشعر بالقسم والموحي بمطابقة القول لما في القلب ولا سيما في هذا المقام وهو مقام الإيمان والتصديق فأكذبهم الله في كون إخبارهم بصورة الشهادة والحال أنهم لم يأتوا بالشهادة على وجهها وهو عدم مطابقتها لاعتقادهم.
والقرآن ينفي وجود واسطة بين الصدق والكذب كما في قوله تعالى ﴿فَماذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ﴾ [١٠/٣٢].
أما فقه اليمين وما تنعقد به وأحكامها فقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه هذا المبحث مستوفي في سورة المائدة عند قوله تعالى ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ﴾ الآية [٥/٨٩].