وعلى كل فإن قضية القدر من أخطر القضايا وأغمضها كما قال علي رضي الله عنه القدر سر الله في خلقه.
وقال ﷺ "إذا ذكر القضاء فأمسكوا" ولكن على المسلم النظر فيما أنزل الله من وحي وبعث من رسل.
وأهم ما في الأمر هو جري الأمور على مشيئة الله وقد جاء موقف عملي في قصة بدر يوضح حقيقة القدر ويظهر غاية العبر في قوله تعالى ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [٨/٤٣].
فهو تعالى الذي سلم من موجبات التنازع والفشل بمقتضى علمه بذات الصدور.
ثم قال ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [٨/٤٤]، فقد أجرى الأسباب على مقتضى إرادته فقلل كلا من الفريقين في أعين الآخر ليقضي الله أمرا كان في سابق علمه مفعولا ثم بين المنتهى ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التغابن: ٦].
فيه استنكار الكفار أن يكون من يهديهم بشرا لا ملكا كما قال تعالى ﴿وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً﴾ [١٧/٩٤]، وقوله تعالى: ﴿أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ﴾ [٥٤/٢٥].
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة الدراسة فشبهتهم هذه الباطلة ردها الله في آيات كثيرة كقوله تعالى ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً﴾ [٦/٩]، وقوله ﴿وَما أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً﴾ [١٢/١٠٩]، أي لا ملائكة وقوله ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ الآية [٢٥/٢٠].
قوله تعالى ﴿فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التغابن: ٦] تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه الكلام عليه عند قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى