إذا كان في مجيء الآية قبل هذه ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ على دعواهم الكاذبة على رسول الله ﷺ بالجنون.
ففي هذه الآية تنزيهه ﷺ مما اشتملت عليه من رذائل ونقائص وافتضاح لهم وبيان الفرق والبون الشاسع بينه وبينهم ففي الوقت الذي وصفه بأنه على خلق عظيم وصفهم بعكس ذلك من كذب ومداهنة وكثرة حلف ومهانة وهمز ومشي بنميمة ومنع للخير وعتل وتجبر واعتداء وظلم وانقطاع زنيم عشر خصال ذميمة ونتيجتها الوسم بالخزي على الأنوف صغارا لهم.
وقد جاءت آيات القرآن تبين مساويء تلك الصفات وتحذر منها ولا يسعنا إيرادها كلها وتكفي الإشارة إلى بعضها تنبيها على جميعها في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [٤٩/١١-١٢].
قوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾.
ذكر القرطبي لمعاني المداهنة فوق عشرة أقوال أرجحها الملاينة وقد ذكر هنا ودادتهم وتمنيهم المداهنة ولم يذكر لنا هل داهنهم ﷺ أم لا وهل يريدون بذلك مصلحة أم لا؟
وقد جاء بيان ذلك مفصلا بأنهم أرادوا التدرج من المداهنة وملاينته ﷺ معهم إلى ما بعدها من تعطيل الدعوة.
وقد رجح ابن جرير ذلك بقوله ود هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم فيلينون لك في عبادتك إلهك كما قال جل ثناؤه ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ [١٧/٧٤] ا هـ.
ويشهد لما قاله ابن جرير هذا ما جاء في سبب نزول سورة "الكافرون"


الصفحة التالية
Icon