وهو البعد عن الحق كما في قوله تعالى ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ﴾ [٣٨/٢٢].
ومنه البعد عن حقيقة التوحيد إلى الشرك وهو المراد هنا كما في سورة الكهف في قوله ﴿لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً﴾ [١٨/١٤]، لأن دعاءهم غير الله أبعد ما يكون عن الحق.
ويدل على أن المراد هنا ما جاء في هذه السورة ﴿فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً﴾ [٧٢/٢].
قوله تعالى ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً﴾ [الجن: ٨] بين تعالى المراد بتلك الحراسة بأنه لحفظها عن استراق السمع كما في قوله ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً﴾ [٣٧/٦-٧]، وبين تعالى حالهم قبل ذلك بأنهم كانوا يقعدون منها مقاعد للسمع فيسترقون الكلمة وينزلون بها إلى الكاهن فيكذب معها مائة كذبة كما بين تعالى أن الشهب تأتيهم من النجوم.
كما في قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ﴾ [٦٧/٥].
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ [الجن: ١٠]
فيه نص على أن الجن لا تعلم الغيب وقد صرح تعالى في قوله ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [٣٤/١٤].
وقد يبدو من هذه الآية إشكال حيث قالوا أولا ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾ [٧٢/١-٢]، ثم يقولون ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ [٧٢/١٠]، والواقع أنهم تساءلوا لما لمسوا السماء فمنعوا منها لشدة حراستها وأقروا أخيرا لما سمعوا القرآن وعلموا السبب في تشديد حراسة السماء لأنهم لما منعوا ما كان يخطر ببالهم أنه من أجل الوحي لقوله ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً﴾ [٧٢/٧].
وقوله تعالى ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً﴾ [٧٢/٨]، يدل بفحواه أنهم منعوا من السمع كما قالوا ﴿فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً﴾ [٧٢/٩]