وقد رجح ابن جرير احتمال الجميع وألا تعارض بينها.
والواقع أنها كلها متلازمة لأن من كذب بواحد منها كذب بها كلها ومن صدق بواحد منها صدق بها كلها ومن اختلف في واحد منها لا شك أنه يختلف فيها كلها.
ولكن السياق في النبإ وهو مفرد فما المراد به هنا بالذات؟
قال ابن كثير والقرطبي من قال إنه القرآن قال بدليل قوله ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [٣٨/٦٧-٦٨].
ومن قال: إنه البعث قال بدليل الآتي بعدها ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً﴾ [٧٨/١٧].
والذي يظهر والله تعالى أعلم أن أظهرها دليلا هو يوم القيامة والبعث لأنه جاء بعده بدلائل وبراهين البعث كلها وعقبها بالنص على يوم الفصل صراحة أما براهين البعث فهي معلومة أربعة: خلق الأرض والسماوات وإحياء الأرض بالنبات ونشأة الإنسان من العدم وإحياء الموتى بالفعل في الدنيا لمعاينتها وكلها موجودة هنا.
أما خلق الأرض والسماوات فنبه عليه بقوله ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً﴾ [٧٨/٦-٧]، وقوله: ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً﴾ [٧٨/١٢-١٣] فكلها آيات كونية دالة على قدرته تعالى كما قال ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [٤٠/٥٧].
وأما إحياء الأرض بالنبات ففي قوله تعالى ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً﴾ [٧٨/١٤-١٦] كما قال تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [٤١/٣٩].
وأما نشأة الإنسان من العدم ففي قوله تعالى ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً﴾ [٧٨/٨] أي أصنافا، كما قال تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [٣٦/٧٩].
وأما إحياء الموتى في الدنيا بالفعل ففي قوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً﴾


الصفحة التالية
Icon