كان منه ﷺ فهو من باب الجبلية تقريبا كأن المثير له غرض عام من خصوص الرسالة ومهمتها.
ومع ذلك فقد جاء عنه ﷺ أنه كان بعد نزولها يقول له "مرحبا فيمن عاتبني فيه ربي" ويكرمه وقد استخلفه على المدينة مرتين
وعلى هذا يكون المراد بهذا أمران:
الأول التسامي بأخلاقه ﷺ إلى ما لا نهاية له إلى حد اللحظ بالعين والتقطيب بالجبين ولو لمن لا يراه كما قال ﷺ "ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين" وذلك في صلح الحديبية.
والثاني تأديب للأمة وللدعاة خاصة في شخصية رسول الله ﷺ كما علمهم في شخصيته في بر الوالدين في قوله تعالى ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا﴾ [١٧/٢٣]
وهذا السياق بكامله من أول السورة إلى قوله تعالى ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ [٨٠/١١-١٢] بيان لأن الرسول ﷺ لا يراعي في الدعوة إلى الله غنيا ولا فقيرا وأن يصبر على ضعفة المؤمنين لأن الرسالة تبليغ وليس عليه ما وراء ذلك من مسؤولية فلا يتكلف لهم.
وقد حثه الله تعالى على الصبر مع المؤمنين لإيمانهم في قوله تعالى ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطا وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [١٨/٢٨-٢٩].
ومثله قوله تعالى ﴿وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [٦/٥٢].
وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه شيء من هذا البيان عند هذه الآية وبين أن هذا التنبيه قد وقع من نبي الله نوح إلى قومه حينما ازدروا ضعفة المؤمنين في


الصفحة التالية
Icon