وهكذا من باع ثوبا عشر أمتار وهو ينقص ربع المتر فقد طفف وبخس بمقدار هذا الربع.
وهكذا في القسمة بين الناس وبين الأولاد وبين الأهل وكل ما فيه عطاء وأخذ بين اثنين الله تعالى أعلم.
ومن باب ما يذكره العلماء في مناسبات السور بعضها من بعض.
فقد قال أبو حيان لما ذكر السورة التي قبلها مصير الأبرار والفجار يوم القيامة ذكر هنا من موجبات ذلك وأهمها تطفيف الكيل وبخس الوزن وهذا في الجملة متوجه ولكن صريح قوله تعالى في السورة السابقة ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [٨٢/٤-٥]، فهو وإن كان عاما في كل ما قدمه لنفسه من عمل الخير وما أخر من أداء الواجبات عليه فإنه يتضمن أيضا خصوص ما قدم من وفاء في الكيل ورجحان في الوزن وما أخر في تطفيف في الكيل وبخس طمعا في المال وجمعا للتراث كما قال تعالى: ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاًوَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [٨٩/١٩-٢٤]
ومن هنا يعلم للعاقل أن ما طفف من كيل أو بخس من وزن مهما جمع منه فإنه يؤخره وراءه ومسؤول عنه ونادم عليه وقائل ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾، ولات ساعة مندم.
قوله تعالى: ﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [المطففين: ٥]، تقريع وتوبيخ لهؤلاء الناس وفيه مسألتان:
الأولى: أن الباعث على هذا العمل هو عدم اليقين بالبعث أو اليقين موجود لكنهم يعلمون على غير الموقنين أي غير مبالين كما قال الشاعر في مثل ذلك وهو ما يسمى في البلاغة بلازم الفائدة

جاء شقيق عارضا رمحه إن بني عمك فيهم رماح
فالمتكلم يعلم أن شقيقا عالم بوجود الرماح في بني عمه وأنهم مستعدون للحرب


الصفحة التالية
Icon