خلال كدحه فإن العاقل المتبصر لا يجعل كدحه إلا فيما يرضي الله ويرضى هو به وإذا لقي ربه ما دام أنه كادح لا محالة كما هو مشاهد.
تنبيه آخر
﴿يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ﴾ عام في الشمول لكل إنسان مهما كان حاله من مؤمن وكافر ومن بر وفاجر والكل يكدح ويعمل جاهد التحصيل ما هو مقبل عليه كما في الحديث "اعملوا كل ميسر لما خلق له" أي ومجد فيه وراض به وهذا منتهى حكمة العليم الخبير.
ومما هو جدير بالتنبيه عليه هو أنه إذا كانت السماء مع عظم جرمها والأرض مع مساحة أصلها ﴿أَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾، مع أنها لم تتحمل أمانة ولن تسأل عن واجب فكيف بالإنسان على ضعفه ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ﴾ [٧٩/٢٧] وقد تحمل أمانة التكليف فأشفقن منها وحملها الإنسان فكان أحق بالسمع والطاعة في كدحه إلى أن يلقى ربه لما يرضيه.
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَى سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ [الانشقاق: ٧-١٤].
في هذا التفصيل بيان لمصير الإنسان نتيجة كدحه وما سجل عليه في كتاب أعماله وذلك بعد أن تقدم في الانفطار قوله ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [٨٢/١٠-١٤].
وجاء في "المطففين": ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾ [٨٣/٧] ثم بعده: ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [٨٣/١٨].
جاء هنا بيان إتيانهم هذه الكتب مما يشير إلى ارتباط هذه السور بعضها ببعض في بيان مال العالم كله ومصير الإنسان نتيجة عمله.
وتقدم للشيخ مباحث إتيان الكتب باليمين وبالشمال ومن وراء الظهر عند كل من


الصفحة التالية
Icon