أولى به الحاضر أو الماضي وإن كان من المستقبل ما سيأتي من الزمن لكنه ليس بجديد إذ تقلب الأحوال في شأن الحياة أمر مستقر في الأذهان ولا يحتاج إلى هذا الأسلوب.
أما أمور الآخرة من بعث وحشر وعرض وميزان وصراط وتطاير كتب واختلاف أحوال الناس باختلاف المواقف في عرصات القيامة فهي الحرية بالتنبيه عليها والتحذير منها والعمل لأجلها في كدحه إلى ربه فلذا جاء بذلك وهو مشعر باستمرار حالة الإنسان بعد الكدح إلى حالات متعددة ودرجات متفاوتة.
ولو اعتبرنا حال المقسم به من حيث تطور الحال من شفق أو آخر ضوء الشمس ثم ليل وما جمع وغطى بظلامه ثم قمر يبدأ هلالا إلى اتساق نوره لكان انتقالا من تغير حركات الزمن إلى تغير أحوال الإنسان قطعا وأن القادر على ذلك في الدنيا قادر على ذلك في الآخرة.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [الانشقاق: ٢٥] قيل: المن: القطع والنقص ومنه قول الشاعر:

لمعفر قهد تناثر شلوه غبس كواسب ما يمن طعامها
والقهد ضرب من الضأن تعلوه حمرة صغيرة آذانه والكواسب الوحوش أي ذئاب أو سباع لا ينقطع طعامها.
وقال القرطبي مننت الحبل إذا قطعته.
وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس عنها فقال غير مقطوع فقال هل تعرف ذلك العرب قال نعم قد عرفه أخو يشكر حيث يقول:
فترى خلفهن من سرعة الرج
... ع منينا كأنه أهباء
قال المبرد المنين الغبار لأنها تقطعه وراءها
وقيل: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أي غير ممنون به عليهم لتكمل النعمة عليهم.
وقال ابن جرير ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ : أي غير محسوب ولا منقوص وذكره عن ابن عباس ومجاهد.


الصفحة التالية
Icon