أوقع في العظة والاعتبار بأن من أهلك تلك الأمم قادر على إهلاك المكذبين من قريش وغيرهم صدق الله العظيم ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [٨٩/١٤].
وقوله تعالى ﴿فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا﴾ [الفجر: ١٦].
بين تعالى أنه يعطي ويمسك ابتلاء للعبد.
وقوله تعالى ﴿كَلَّا﴾، وهي كلمة زجر وردع وبيان أن المعنى لا كما قلتم فيه تعديل لمفاهيم الكفار بأن العطاء والمنع لا عن إكرام ولا لإهانة ولكنه ابتلاء كما في قوله تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [٢١/٣٥].
وقوله ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [٨/٢٨].
﴿كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ﴾ [الفجر: ٢٠] بعد ما بين سبحانه صحة المفاهيم في العطاء والمنع جاء في هذه الآيات وبين حقيقة فتنة المال إيجابا وسلبا جمعا وبذلا فبدأ بأقبح الوجوه من الإمساك من عدم إكرام اليتيم مهيض الجناح مكسور الخاطر والتقاعس عن إطعام المسكين خالي اليد جائع البطن ساكن الحركة وهذان الجانبان أهم مهمات بذل المال وهم يمسكون عنها وقد بين تعالى أن هذا الجانب هو اقتحام العقبة عند الشدة في قوله تعالى في سورة البلد ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [٩٠/١١-١٦].
ومن الجانب الآخر ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً﴾ أي الميراث فلا يعطون النسوة وهن ضعيفات الشخصية، أحوج إلى مال مورثهن وتحبون المال حبا حتى استعبدكم وألهاكم التكاثر فيه.
وهنا لفت نظر للفريقين فمن أعطي منهم لا ينبغي له أن يغفل طرق البذل الهامة ومن منع لا ينبغي له أن يستشرف إلى ما لا ينبغي له وبالله تعالى التوفيق.
﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾ [الفجر: ٢٢]


الصفحة التالية
Icon