﴿وَمَا سَوَّاهَا﴾ : أي بالقدرة الباهرة والعلم الشامل وذكرها بالمعنى الثاني فإنه في نظري أعظم من المعنى الأول وذلك أن القوى المدركة والمفكرة والمقدرة للأمور التي لها الاختيار ومنها القبول والرفض والرضى والسخط والأخذ والمنع فإنها عالم مستقل.
وإنها كما قلنا أعظم مما تقدم لأن الجانب الخلقي قال تعالى فيه ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [٤٠/٥٧]، ولكن في هذا الجانب قال ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [٣٣/٧٢].
ومعلوم أن بعض أفراد الإنسان حملها بصدق وأداها بوفاء ونال رضى الله تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه.
فهذه النفس في تسويتها لتلقى معاني الخير والشر واستقبال الإلهام الإلهي للفجور والتقوى أعظم دلالة على القدرة من تلك الجمادات التي لا تبدي ولا تعيد والتي لا تملك سلبا ولا إيجابا.
وهنا مثال بسيط فيما استحدث من آلات حفظ وحساب كالآلة الحاسبة والعقل الألكتروني فإنها لا تخطى ء كما يقولون وقد بهرت العقول في صفتها ولكن بنظرة بسيطة نجدها أمام النفس الإنسانية كقطرة من بحر.
فنقول إنها أولا من صنع هذه النفس ذات الإدراك النامي والاستنتاج الباهر.
ثانيا: هي لا تخطى ء لأنها لا تقدر أن تخطى ء لأن الخطأ ناشيء عن اجتهاد فكري وهي لا اجتهاد لها إنما تشير وفق ما رسم لها كالمادة المسجلة في شريط فإن المسجل مع دقة حفظة لها فإنه لا يقدر أن يزيد ولا ينقص حرفا واحدا.
أما الإنسان فإنه يغير ويبدل وعندما يبدل كلمة مكان كلمة فلقدرته على إيجاد الكلمة الأخرى أو لاختياره ترك الكلمة الأولى.
وهكذا هنا فالله تعالى هنا خلق تلك النفس أولا ثم سواها على حالة تقبل تلقي الإلهام بقسيمة الفجور والتقوى ثم تسلك أحد الطريقين فكأن مجيء القسم بها بعد


الصفحة التالية
Icon