تأمله العاقل لوجد فيه كما أسلفنا القدرة الباهرة أعظم مما في الليل إذا يغشى وما في النهار إذا تجلى ولاسيما إذا صغر الكائن كالبعوضة فما دونها مما لا يكاد يرى بالعين ومع ذلك فإن فيه الذكورة والأنوثة سبحانك اللهم ما أعظم شأنك.
﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: ٤].
تقدم في السورة الأولى قوله تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَاوَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [٩١/٩-١٠]، وكلاهما بالسعي إليه والعمل من أجله وهنا يقول ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ﴾ مهما كان ﴿لَشَتَّى﴾ أي متباعد بعض عن بعض.
والشتات: التباعد والافتراق وشتى جمع شتيت كمرضى ومريض وقتلى وقتيل ونحوه ومنه قول الشاعر:

قد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن ألا تلاقيا
وهذا جواب القسم وفي القسم ما يشعر بالارتباط به كبعد ما بين الليل والنهار وما بين الذكر والأنثى فهما مختلفان تماما وهكذا هما مفترقان في النتائج والوسائل كبعد ما بين فلاح من زكاها وخيبة من دساها المتقدم في السورة قبلها.
ثم فصل هذا الشتات في التفصيل الآتي ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠].
وما أبعد ما بين العطاء والبخل والتصديق والتكذيب واليسرى والعسرى وقد أطلق ﴿أَعْطَى﴾ ليعم كل عطاء من ماله وجاهه وجهده حتى الكلمة الطيبة بل حتى طلاقة الوجه كما في الحديث "ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".
والحسنى: قيل: المجازاة على الأعمال
وقيل: للخلف على الإنفاق
وقيل: لا إله إلا الله
وقيل: الجنة
والذي يشهد له القرآن هو الأخير لقوله تعالى ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [١٠/٢٦]، فقالوا: الحسنى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجهه الكريم وهذا


الصفحة التالية
Icon