الضلال يكون حسا ومعنى فالأول كمن تاه في طريق يسلكه والثاني كمن ترك الحق فلم يتبعه.
فقال قوم المراد هنا هو الأول كأن قد ضل في شعب من شعاب مكة أو في طريقه إلى الشام ونحو ذلك.
وقال آخرون: إنما هو عبارة عن عدم التعليم أولا ثم منحه من العلم مما لم يكن يعلم كقوله: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [٤٢/٥٢].
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث هذه المسألة في عدة مواضع:
أولا: في سورة "يوسف" عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [١٢/٨]، وساق شواهد الضلال لغة هناك.
وثانيا: في سورة "الكهف" عند قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [١٨/١٠٤].
وثالثا: في سورة "الشعراء" عند قوله تعالى: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ [٢٦/٢٠].
وفي دفع إيهام الاضطراب أيضا وهذا كله يعني عن أي بحث آخر.
ومن الطريف ما ذكره أبو حيان عند هذه الآية حيث قال ولقد رأيت في النوم أني أفكر في هذه الجملة فأقول على الفور ﴿وَوَجَدَكَ﴾ : أي وجد رهطك ﴿ضَالاً﴾ فهداه بك ثم أقول على حذف مضاف نحو ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [١٢/٨٢]. ا هـ. وقد أورد النيسابوري هذا وجها في الآية.
وبهذه المناسبة أذكر منامين كنت رأيتهما ولم أرد ذكرهما حتى رأيت هذا لأبي حيان فاستأنست به لذكرهما وهما الأول عندما وصلت إلى سورة ن عند قوله تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [٦٨/٤]، ومن منهج الأضواء تفسير القرآن بالقرآن وهذا وصف مجمل، وحديث عائشة "كان خلقه القرآن" فأخذت في التفكير، كيف أفصل هذا المعنى من القرآن، وأبين حكمه وصفحه وصبره وكرمه وعطفه ورحمته


الصفحة التالية
Icon