فالظاهر أنها كلمة تقال عند الشدة والهلكة أو شدة التعجب مما يشبه المستبعد.
والذي يشهد له القرآن هو هذا المعنى وسبب الخلاف قد يرجع لمجيئها تارة مطلقة كقوله: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ١٥] وهنا ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾.
ويجيء مع ذكر ما يتوعد به كقوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [صّ: ٢٧] وقوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ [الزخرف: ٦٥] فذكر النار والعذاب الأليم.
وكذلك قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم: ٣٧] فهي في هذا كله للوعيد الشديد مما ذكر معها من النار والعذاب الأليم ومشهد يوم عظيم وليست مقصودة بذاتها دون ما ذكر معها والعلم عند الله تعالى.
وقوله: ﴿هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ قيل هما بمعنى واحد وهو الغيبة.
وأنشد ابن جرير قول زياد الأعجم:

تدلى بودي إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز الهمزة
وعزا هذا لابن عباس وهو الذي يصيب الناس ويطعن فيهم.
وقد جاء في القرآن استعمال كل من الكلمتين مفردة عن الأخرى بما يدل على المغايرة.
ففي الهمزة قوله: ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: ١٠-١١] مما يدل على الكذب والنميمة.
وفي الهمزة قوله تعالى: ﴿وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١].
وقوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٥٨] مما يدل على أنها أقرب للتنقص والعيب في الحضور لا في الغيبة فتغاير الهمز في المعنى وفي الصفة والجمع بينهما جمع بين القبيحين فكان مستحقا لهذا الوعيد الشديد بكلمة ويل.
وقد قيل الهمز باليد وقيل باللسان في الحضرة والهمز في الغيبة.


الصفحة التالية
Icon