قلنا يكفي في ذلك حكم الأغلب وهو ما يصدقه الواقع إذ آمن بعضهم وعبد معبوده ﷺ وما في قوله: ﴿مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ واقعة في الأولى على غير ذي علم وهي أصنامهم وهو استعمالها الأساسي.
وفي الثانية في حق الله تعالى وهو استعمالها في غير استعمالها الأساسي فقيل من أجل المقابلة وقد استعملت فيمن يعلم كقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ لأنهن في معرض الاستمتاع بهن فللقرينة جاز ذلك.
وقيل إنها مع ما قبلها مصدرية أي ﴿مَا﴾ مصدرية بمعنى عبادتكم الباطلة ولا تعبدون عباداتي الصحيحة.
وهذا المعنى قوي وإن تعارض مع ما ذكر من سبب النزول إلا أن له شاهدا من نفس السورة ويتضمن المعنى الأول ودليله من السورة قوله تعالى: في آخر السورة ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ فأحالهم على عبادتهم ولم يحلهم على معبودهم ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ هو نظير ما تقدم في سورة يونس ﴿أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٤١].
وكقوله: ﴿وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ [البقرة: ١٣٩].
وليس في هذا تقريرهم على دينهم الذي هم عليه ولكن من قبيل التهديد والوعيد كقوله ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩].
وفي هذه السورة قوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ وصف يكفي بأن عبادتهم وديانتهم كفر.
وقد قال لهم الحق ﴿لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ لأنها عبادة باطلة عبادة الكفار وبعد ذلك إن أبيتم إلا هي فلكم دينكم ولي دين.


الصفحة التالية
Icon