وقد جاء فيها ابن كثير بعدة روايات وطرق مختلفة وكلها تذكر أنه ﷺ ضرب ثلاث ضربات فأبرقت تحت كل ضربة برقة وكبر ﷺ عند كل واحدة منها فسألوه فقال في الأولى: "أعطيت مفاتيح فارس" وذكر اليمن والشام وكلها روايات لا تخلو من نقاش ولكن لكثرتها يقوي بعضها بعضا.
وأقواها رواية النسائي بسنده قال: لما مر رسول الله ﷺ بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر فقام النبي ﷺ وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وقال: " ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: ١١٥]" فندر ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر فبرق مع ضربة رسول الله ﷺ برقة ثم ضرب الثانية وقرأ ما قرأه أولا وبرقت أيضا ثم الثالثة وخرج رسول الله ﷺ وقد تكسرت فأخذ رداءه ﷺ وجلس فسأله سلمان لما رأى من البرقات الثلاث فقال له: "أرأيت ذلك؟" قال أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله فأخبرهم أنه رفعت له في الأولى مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رآها بعينه فقالوا: ادعو الله لنا أن يفتح علينا، فدعا لهم وفي الثانية رفعت له مدائن قيصر وما حولها وفي الثالثة مدائن الحبشة وكلها يطلبون منه ﷺ أن يدعو لهم فتفتح عليهم فدعا لهم إلا في الحبشة فقال صلى الله عليه وسلم: "دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم" انتهي ملخصا.
وقد رواه كل من ابن كثير والنسائي مطولا فهذه الروايات وإن كانت تحتمل مقالا.
فقد جاء في الموطإ ما لا يحتمل مقالا ولا شك في صحته ولا في دلالته وهو ما رواه مالك عن هشام عن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير أنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانو يعلمون ويفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون".
فهذا نص صحيح صريح منه ﷺ في حياته بفتح اليمن والشام والعراق وما فتحت كلها إلا من بعده ﷺ إلا اليمن.


الصفحة التالية
Icon