فالدليل هو خلق الإنسان والمستدل به هو الإنسان نفسه كما في قوله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الذريات: ٢١] فيستدل لنفسه من نفسه على قدرة خالقه سبحانه.
وإذا تم بهذا الاستدلال على قدرة الرب الخالق كان بعده إقامة الدليل على صحة النبوة ورسالة الرسول ﷺ فجاءت المسألة السادسة وهي إعادة القراءة في قوله: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ إذ أقام الدليل على أنك مرسل من الله تبلغ عنه وتقرأ باسمه فاعلم أن تلك القراءة وهذا الوحي من ربك الأكرم والأكرم قالوا هو الذي يعطي بدون مقابل ولا انتظار مقابل والواقع أن مجيء الوصف هنا بالأكرم بدلا من أي صفة أخرى لما في هذه الصفة من تلاؤم للسياق ما لا يناسب مكانها غيرها لعظم العطاء وجزيل المنة.
فأولا رحمة الخليقة بهذه القراءة التي ربطت العباد بربهم وكفى.
وثانيا نعمة الخلق والإيجاد فهما نعمتان متكاملتان الإيجاد من العدم بالخلق والإيجاد الثاني من الجهل إلى العلم ولا يكون هذا كله إلا من الرب الأكرم سبحانه.
ثم تأتي المسألة الثامنة وهي من الدلالة على النبوة والرسالة :﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ سواء كان الوقف على ﴿اقْرَأْ﴾ وابتداء الكلام ﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ أو الوقف على الأكرم وابتداء الكلام: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ لأن من يعلم الجاهل بالقلم يعلم غيره بدون القلم بجامع التعليم بعد الجهل فالقادر على هذا قادر على ذلك.
والتاسعة بيان لهذا الإجمال حيث لم يبين ما الذي علمه بالقلم فقال: ﴿عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ وهذا مشاهد ملموس في أشخاصهم ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾ [النحل: ٧٨].
فالله الذي علم الإنسان ما لم يعلم وكل ما تعلمه الإنسان فهو من الله: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ وهل الرسالة والنبوة إلا تعليم الرسول ما لم يكن يعلم وبهذا تم إقامة الدليل على صحة النبوة أي الرسالة والرسول والمرسل وهي أسس الدعوة والبعثة الجديدة.
وقد اشتهر عند الناس أنه نبيء بـ ﴿ اقْرَأْ﴾ وأرسل بـ ﴿الْمُدَّثِّرُ﴾ ولكن في


الصفحة التالية
Icon