أما الإحالة فالذي يظهر أن موجبها هو أنه في هذه السورة الكريمة اجتمعت ثلاث صفات لله تعالى من صفات العظمة والكمال ﴿رَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ﴾ ولكأنها لأول وهلة تشير إلى الرب الملك هو الإله الحق الذي يستحق أن يعبد وحده.
ولعله ما يرشد إليه مضمون سورة الإخلاص قبلها ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ وهذا هو منطق العقل والقول الحق لأن مقتضى الملك يستلزم العبودية والعبودية تستلزم التأليه والتوحيد في الألوهية لأن العبد المملوك تجب عليه الطاعة والسمع لمالكه بمجرد الملك وإن كان مالكه عبدا مثله فكيف بالعبد المملوك لربه وإلهه وكيف بالمسالك الإله الواحد الأحد الفرد الصمد؟
وقد جاءت تلك الصفات الثلاث الرب الملك الإله في أول افتتاحية أول المصحف ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٢-٤] والقراءة الأخرى ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾.
وفي أول سورة البقرة أول نداء يوجه للناس بعبادة الله تعالى وحده لأنه ربهم مع بيان الموجبات لذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾.
ثم بين الموجب لذلك بقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١].
وقوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢].
وهذا كله من آثار الربوبية واستحقاقه تعالى على خلقه العبادة ثم بين موجب إفراده وحده بذلك بقوله: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢].
أي كما أنه لا ند له في الخلق ولا في الرزق ولا في شيء مما ذكر ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً﴾ أيضا في عبادة ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ حقيقة ذلك.
وعبادته تعالى وحده ونفي الأنداد هو ما قال عنه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه معنى لا إله إلا الله نفيا وإثباتا.
فالإثبات في قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [النساء: ٣٦].


الصفحة التالية
Icon