قوله تعالى: ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾، في مجيء ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ بعد ﴿رَبِّ النَّاسِ﴾ تدرج في التنبيه على تلك المعاني العظام وانتقال بالعباد من مبدإ الإيمان بالرب لما شاهدوه من آثار الربوبية في الخلق والرزق وجميع تلك الكائنات كما تقدم في أول نداء وجه إليهم ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١-٢٢].
كل هذه الآثار التي لمسوها وأقروا بموجبها بأن الذي أوجدها هو ربهم ومن ثم ينتقلون إلى الدرجة الثانية وهي أن ربه الذي هذه أفعاله هو ملكه وهو المتصرف في تلك العوالم وملك لأمره وجميع شؤونه ومالك لأمر الدنيا والآخرة جميعا.
فإذا وصل بإقراره إلى هذا الإدراك أقر له ضرورة بالألوهية وهي المرتبة النهاية.
﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ أي مالوههم ومعبودهم وهو ما خلقهم إليه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذريات: ٥٦].
وفي إضافة الملك إلى الناس من إشعار الاختصاص مع أنه سبحانه ملك كل شيء فيه ما في إضافة الرب للناس المتقدم بحثه فهو سبحانه مالك الملك كما في قوله: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٢٦].
وقوله تعالى: ﴿لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ [التغابن: ١].
وقوله: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البروج: ٩] وقوله: ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: ٢٣].
فهو سبحانه وتعالى المتفرد بالملك لا شريك له في ملكه كما قال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ [الاسراء: ١١١] فبدأ بالحمد أولا.
ومثله قوله: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [يّس: ٨٣] بدأ بتسبيح نفسه وتنزيهه لعموم الملك ومطلق التصرف ونفي الشريك لأن ملكه ملك تصرف وتدبير مع الكمال في الحمد والتقديس.