وقوله تعالى: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ شامل لهذا كله إذا كان هذا كله شأن القلم وعظم أمره وعظيم المنة به على الأمة بلى وعلى الخليقة كلها.
وقد افتتحت الرسالة بالقراءة والكتابة فلماذا لم يكن النبي ﷺ الذي أعلن عن هذا الفضل كله للقلم لم يكن هو كاتبا به ولا من أهله بل هو أمي لا يقرأ ولا يكتب كما في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ﴾ [الجمعة: ٢]. والجواب أنا أشرنا.
أولا: إلى ناحية منه، وهي أنه أكمل للمعجزة، حيث أصبح النبي الأمي معلما كما قال تعالى: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: ٢].
وثانيا: لم يكن هذا النبي الأمي مغفلا شأن القلم بل عنى به كل العناية وأولها وأعظهما أنه اتخذ كتابا للوحي يكتبون ما يوحى إليه بين يديه مع أنه يحفظه ويضبطه وتعهد الله له بحفظه وبضبطه في قوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ حتى الذي ينساه يعوضه الله بخير منه أو مثله كما في قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦] ووعد الله تعالى بحفظه في قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].
ومع ذلك فقد كان يأمر بكتابة هذا المحفوظ وكان له عدة كتاب وهذا غاية في العناية بالقلم.
وذكر ابن القيم من الكتاب الخلفاء الأربعة ومعهم تتمة سبعة عشر شخصا ثم لم يقتصر ﷺ في عنايته بالقلم والتعليم به عند كتابة الوحي بل جعل التعليم به أعم كما جاء خبر عبد الله بن سعيد بن العاص أن رسول الله ﷺ أمره أن يعلم الناس الكتابة بالمدينة وكان كاتبا محسنا ذكره صاحب الترتيبات الإدارية عن ابن عبد البر في الاستيعاب.
وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتابة والقرآن.
وقد كانت دعوته ﷺ الملوك إلى الإسلام بالكتابة كما هو معلوم.
وأبعد من ذلك ما جاء في قصة أسارى بدر حيث كان يفادي بالمال من يقدر


الصفحة التالية
Icon