وقد أطال النقول في ذلك مما يرجع إلى الأول وليس فيه نقل صحيح يقطع به.
وقد أوردنا هذه النبذة بخصوص كلام ابن فارس من أن تعليم الكتابة أمر توقيفي وما استدل به السيوطي من أول كتاب أنزله الله من السماء فإن في القرآن ما يشهد لإمكان ذلك وهو أن الله تعالى أنزل الصحف لموسى مكتوبة.
وفي الحديث "إن الله كتب الألواح لموسى بيده وغرس جنة عدن بيده".
وإذا كان موسى تلقى ألواحا مكتوبة فلا بد أن تكون الكتابة معلومة له قبل إنزالها وإلا لما عرفها.
أما المشهور في الأحرف التي نكتب بها الآن فكما قال السيوطي في المزهر ونقله عنه صاحب المطالع المصرية ما نصه:
المشهور عند أهل العلم ما رواه ابن الكلبي عن عوانة قال أول من كتب بخطنا هذا وهو الجزم مرامر بن مرة وأسلم بن سدرة وعامر بن حدرة كما في القاموس وهم من عرب طيء تعلموه من كتاب الوحي لسيدنا هود عليه السلام ثم علموه أهل الأنبار ومنهم انتشرت الكتابة في العراق والحيرة وغيرها فتعلمها بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل وكانت له صحبة بحرب بن أمية فتعلم حرب منه ثم سافر معه بشر إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب أخت أبي سفيان فتعلم منه جماعة من أهل مكة.
فبهذا كثر من يكتب بمكة من قريش قبيل الإسلام.
ولذا قال رجل كندي من أهل دومة الجندل يمن على قريش بذلك:

لا تجحدوا نعماء بشر عليكم فقد كان ميمون النقيبة أزهرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتموا من المال ما قد كان شتى مبعثرا
وأتقنتموا ما كان بالمال مهملا وطأمنتموا ما كان منه مبقرا
فأجريتم الأقلام عودا وبدأة وضاهيتم كتاب كسرى وقيصرا
وأغنيتم عن مسند إلى حميرا وما زبرت في الصحف أقلام حميرا
قال: وكذلك ذكر النووي في شرح مسلم نقل عن الفراء أنه قال إنما كتبوا الربا في المصحف بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربوا فعلموهم صورة الخط على لغتهم ا هـ.


الصفحة التالية
Icon