ومفهومه أن من لم يؤثر الحياة الدنيا ولم يحسب أن ماله أخلده لن يطغيه ماله ولا غناه كما جاء في قصة النفر الثلاثة الأعمى والأبرص والأقرع من بني إسرائيل.
وقد نص القرآن على أوسع غنى في الدنيا في نبي الله سليمان آتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ومع هذا قال: ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾ [صّ: ٣٢-٣٣]
وقصة الصحابي الموجودة في الموطأ لما شغل ببستانه في الصلاة حين رأى الطائر لا يجد فرجة من الأغصان ينفذ منه فجاء إلى النبي ؟ وقال: يا رسول الله إني فتنت ببستاني في صلاتي فهو في سبيل الله فعرفنا أن الغنى وحده ليس موجبا للطغيان ولكن إذا صحبه إيثار الحياة الدنيا على الآخرة وقد يكون طغيان النفس من لوازمها لو لم يكن غنى ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: من الآية٥٣] وأنه لا يقي منه إلا التهذيب بالدين كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: ٢٧]
وقد ذكر عن فرعون تحقيق ذلك حين قال: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الزخرف: ٥١] وكذلك قال قارون ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾[ القصص: ٧٨] وقال ثالث الثلاثة من بني إسرائيل: إنما ورثته كابرا عن كابر بخلاف المسلم إلى آخره فلا يزيده غناه إلا تواضعا وشكرا للنعمة كما قال نبي الله سليمان ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٤٠] وقد نص في نفس السورة أنه شكر الله ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩].
وفي العموم قوله: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الاحقاف: ١٥]
وقد كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من أصحاب المال الوفير فلم يزدهم إلا قربا لله كعثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الرحمان بن عوف وأمثالهم وفي الآية


الصفحة التالية
Icon