بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٠-٣١].
فجعل مقالة كل من اليهود والنصارى إشراكا.
وجاء عن عبد الله بن عمر منع نكاح الكتابية وقال وهل كبر إشراكا من قولها: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً﴾ [الكهف: ٤] فهو وإن كان مخالفا للجمهور في منع الزواج من الكتابيات إلا أنه اعتبرهن مشركات.
ولهذا الخلاف والاحتمال وقع النزاع في مسمى الشرك هل يشمل أهل الكتاب أم لا مع أننا وجدنا فرقا في الشرع في معاملة أهل الكتاب ومعاملة المشركين فأحل ذبائح أهل الكتاب ولم يحلها من المشركين وأحل نكاح الكتابيات ولم يحله من المشركات كما قال تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١].
وقوله: ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ [الممتحنة: ١٠].
وقال: ﴿لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: ١٠] بين ما في حق الكتابيات قال: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [المائدة: ٥] فكان بينهما مغايرة في الحكم.
وقد جمع والدنا الشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى علينا وعليه بين تلك النصوص في دفع إيهام الاضطراب عند قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠] المتقدم ذكرها جمعا مفصلا مفاده أن الشرك الأكبر المخرج من الملة أنواع وأهل الكتاب متصفون ببعض دون بعض إلى آخر ما أورده رحمه الله تعالى علينا وعليه.
ولعل في نفس آية ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ فيها إشارة إلى ما ذكره رحمة الله تعالى علينا وعليه من وجهين:
الأول: قوله تعالى: ﴿يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [التوبة: ٣٠] أي يشابهونهم في مقالتهم وهذا القدر اتصف به المشركون من أنواع الشرك.
الثاني: تذييل الآية بصيغة المضارع ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [لأعراف: من الآية١٩٠] بين ما وصف عبدة الأوثان في سورة البينة بالاسم ﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾.