أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: ٢١] وتقدم تفصيل ذلك عند أول سورة الحشر لأن الله أودع في الجمادات القدرة على الإدراك والنطق والمراد بإخبارها أنها تخبر عن أعمال كل إنسان عليها في حال حياته.
ومما يشهد لهذا المعنى حديث المؤذن "لا يسمع صوته حجر ولا مدر إلا وشهد له يوم القيامة" وذكر ابن جرير وجها آخر وهو أن إخبارها هو ما أخرجته من أثقالها بوحي الله لها والأول أظهر لأنه يثبت معنى جديدا ويشهد له الحديث الصحيح.
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾.
في هاتين الآيتين مبحثان أحدهما في معنى ﴿مَنْ﴾ لعمومه والآخر في صيغة ﴿يَعْمَلْ﴾.
أما الأول فهو مطروق في جميع كتب التفسير على حد قولهم: ﴿مَنْ﴾ للعموم المسلم والكافر مع أن الكافر لا يرى من عمل الخير شيئا لقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ [الفرقان: ٢٣] وفي حق المسلم قد لا يرى كل ما عمل من شر لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].
وقد بحث الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه هذه المسألة بتوسع في دفع إيهام الاضطراب بما يغني عن إيراده.
أما المبحث الثاني فلم أر من تناوله بالبحث وهو في صيغة يعمل لأنها صيغة مضارع وهي للحال والاستقبال.
والمقام في هذا السياق ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً﴾ وهو يوم البعث وليس هناك مجال للعمل وكان مقتضى السياق أن يقال فمن عمل مثقال ذرة خيرا يره ولكن الصيغة هنا صيغة مضارع والمقام ليس مقام عمل ولكن في السياق ما يدل على أن المراد يعمل مثقال ذرة أي من الصنفين ما كان من ذلك لقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ فهم إنما يروا في ذلك اليوم أعمالهم التي عملوها من قبل فتكون صيغة المضارع هنا من باب الالتفات حيث كان السياق أولا من أول