خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يّس: ٧٨-٧٩].
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾.
قيل رد إلى الكبر والهرم وضعف الجسم والعقل.

إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾ [يّس: ٦٨].
وذكر الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه هذا القول وساق معه قوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً﴾ [الروم: ٥٤] وساق آية التين هذه: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ وقال على أحد التفسيرين وقوله: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ [الحج: ٥] وهذا المعنى مروي عن ابن عباس رواه ابن جرير.
وقيل رد إلى النار بسبب كفره وهذا مروي عن مجاهد والحسن.
وقد رجح ابن جرير المعنى الأول وهو كما ترى ما يشهد له القرآن في النصوص التي قدمنا واستدل لهذا الوجه من نفس السورة وذلك لأن الله تعالى قال في آخرها ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ أي بعد هذه الحجج الواضحة وهي بدء خلق الإنسان وتطوره إلى أحسن أمره ثم رده إلى أحط درجات العجز أسفل سافلين وهذا هو المشاهد لهم يحتج به عليهم.
أما رده إلى النار فأمر لم يشهده ولم يؤمنوا به فلا يصلح أن يكون دليلا يقيمه عليهم لأن من شأن الدليل أن ينقل من المعلوم إلى المجهول والبعث هو موضع إنكارهم فلا يحتج عليهم لإثبات ما ينكرونه بما ينكرونه وهذا الذي ذهب إليه واضح.
ومما يشهد لهذا الوجه أن حالة الإنسان هذه في نشأته من نطفة فعلقة فطفلا فغلاما فشيخا فهرم وعجز جاء مثلها في النبات وكلاهما من دلائل البعث كما في قوله: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ إلى قوله: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ


الصفحة التالية
Icon