فقال: لا يعجبني، وقال: إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم. وأجازت طائفة رفع الصوت بالقرآن والتطريب به؛ وذلك لأنه إذا حَسّن الصوتَ به كان أوقع في النفوس وأسمع في القلوب، واحتجوا بقوله عليه السلام: "زينوا القرآن بأصواتكم" رواه البراء بن عازب أخرجه أبو داود والنسائي. وبقوله عليه السلام: " ليس منّا من لم يتغن بالقرآن" أخرجه مسلم. وبقول أبي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو أعلم أنك تستمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرا" وبما رواه عبد الله بن مغفل قال: "قرأ رسول الله ﷺ عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته" وممن ذهب إلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وابن المبارك والنضر بن شُميل، وهو اختيار أبي جعفر الطبري وأبي الحسن بن بطال والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم.
قلت: القول الأول أصح لما ذكرناه ويأتي. وأما ما احتجوا به من الحديث الأوّل فليس على ظاهره، وإنما هو باب المقلوب؛ أي زينوا أصواتكم بالقرآن. قال الخطابي: وكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث: زينوا أصواتكم بالقرآن؛ وقالوا هو من باب المقلوب؛ كما قالوا: عرضت الحوض على الناقة، وإنما هو عرضت الناقة على الحوض. قال: ورواه معمر عن منصور عن طلحة؛ فقدم الأصوات على القرآن، وهو الصحيح.
قال الخطابي: ورواه طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء أن رسول الله ﷺ قال: "زينوا القرآن بأصواتكم". أي الهجوا بقراءته واشغلوا به أصواتكم واتخذوه شعارا وزينة؛ وقيل: معناه الحض على قراءة القرآن والدؤوب عليه. وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "زينوا أصواتكم بالقرآن". وروي عن عمر أنه قال: ((حسنوا أصواتكم بالقرآن)).
قلت: وإلى هذا المعنى يرجع قوله عليه السلام: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" أي ليس منا من لم يحسن صوته بالقرآن؛ كذلك تأوله عبدالله بن أبي مليكة قال عبد الجبار ابن الورد: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال عبدالله بن أبي يزيد: مر بنا أبو لبابة فاتبعناه