لم يصنع ابن عيينة شيئا. وسئل الشافعي عن تأويل ابن عيينة فقال: نحن أعلم بهذا لو أراد النبي ﷺ الاستغناء لقال: من لم يستغن ولكن لما قال: ((يتغن)) علمنا انه أراد التغني. قال الطبري: المعروف عندنا في ((كلام العرب)) أن التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيع. وقال الشاعر:
تغن بالشعر مهما كنت قائله | إن الغناء بهذا الشعر مضمار |
وكنت امرا زمنا بالعراق | عفيف المناخ طويل التغن |
ونحن إذا متنا أشد تغانيا
فإنه إغفال منه وذلك أن التغاني تفاعل من نفسين إذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه كما يقال: تضارب الرجلان إذا ضرب كل واحد منهما صاحبه. ومن قال هذا في فعل الاثنين لم يجز أن يقول مثله في الواحد فغير جائز أن يقال: تغانى زيد وتضارب عمرو وكذا غير جائز أن يقال: تغنى بمعنى استغنى. قلت: ما ادعاه الطبري من أنه لم يرد في ((كلام العرب)) تغنى بمعنى استغنى فقد ذكره الجوهري كما ذكرنا وذكره الهروي أيضا. وأما قوله: إن صيغة فاعل إنما تكون من اثنين فقد جاءت من واحد في مواضع كثيرة منها قول ابن عمر: ((وأنا يومئذ قد نازهت الاحتلام)) وتقول العرب: طارقت النعل وعاقبت اللص وداويت العليل وهو كثير فيكون تغانى منها. وإذا احتمل قوله عليه الصلاة والسلام: "يتغن" الغناء والاستغناء فليس حمله على أحدهما بأولى من الآخر بل حمله على الاستغناء أولى لو لم يكن لنا تأويل غيره لأنه مروي عن