إن الله تعالى قد كان وعد نبيه عليه السلام أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء، فأشار إلى ذلك الوعد كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حِمار المجاشعي أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان" الحديث. وقيل: الإشارة إلى ما قد نزل من القرآن بمكة. وقيل: إن الله تبارك وتعالى لما أنزل على نبيه ﷺ بمكة: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ [المزمل: ٥] لم يزل رسول الله ﷺ مستشرفا "وفي النسخة: مستسرفا" لإنجاز هذا الوعد من ربه عز وجل، فلما أنزل عليه بالمدينة: ﴿الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ١ - ٢] كان فيه معنى هذا القرآن الذي أنزلته عليك بالمدينة، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك بمكة. وقيل: إن "ذلك" إشارة إلى ما في التوراة والإنجيل. و ﴿الم﴾ اسم للقرآن، والتقدير هذا القرآن ذلك الكتاب المفسر في التوراة والإنجيل، يعني أن التوراة والإنجيل يشهدان بصحته ويستغرق ما فيهما ويزيد عليهما ما ليس فيهما. وقيل: إن "ذلك الكتاب" إشارة إلى التوراة والإنجيل كليهما، والمعنى: الم ذانك الكتابان أو مثل ذينك الكتابين، أي هذا القرآن جامع لما في ذينك الكتابين، فعبر بـ "بذلك" عن الاثنين بشاهد من القرآن، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٨] أي عوان بين تينك: الفارض والبكر، وسيأتي. وقيل: إن "ذلك" إشارة إلى اللوح المحفوظ. وقال الكسائي: "ذلك" إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد. وقيل: إن الله تعالى قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد ﷺ كتابا، فالإشارة إلى ذلك الوعد. قال المبرد: المعنى هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا. وقيل: إلى حروف المعجم في قول من قال: "الم" الحروف التي تحديتكم بالنظم منها.
والكتاب مصدر من كتب يكتب إذا جمع، ومنه قيل: كتيبة، لاجتماعها. وتكتَّبت الخيل صارت كتائب. وكتبتُ البغلة: إذا جمعت بين شُفْري رَحِمِها بحلقة أو سير، قال:
لا تأمنن فَزاريا حللت به...
على قَلوصك واكتبها بأسيار


الصفحة التالية
Icon