﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ أنه من قول الله تعالى. و"الفاسقين" نصب بوقوع الفعل عليهم، والتقدير: وما يضل به أحدا إلا الفاسقين الذين سبق في علمه أنه لا يهديهم. ولا يجوز أن تنصبهم على الاستثناء لأن الاستثناء لا يكون إلا بعد تمام الكلام. وقال نوف البكالي: قال عزير فيما يناجي ربه عز وجل: إلهي تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء. قال فقيل: يا عزير اعرض عن هذا! لتعرضن عن هذا أو لأمحونك من النبوة، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون. والضلال أصله الهلاك، يقال منه: ضل الماء في اللبن إذا استهلك، ومنه قوله تعالى: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠] وقد تقدم في الفاتحة. والفسق أصله في كلام العرب الخروج عن الشيء، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، والفأرة من جحرها. والفويسقة: الفأرة، وفي الحديث: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا". روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه مسلم. وفي رواية "العقرب" مكان "الحية". فأطلق ﷺ عليها اسم الفسق لأذيتها، على ما يأتي بيانه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وفسق الرجل يفسق ويفسق أيضا - فسقا وفسوقا، أي فجر. فأما قوله تعالى: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ فمعناه خرج. وزعم ابن الأعرابي أنه لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق. قال: وهذا عجب، وهو كلام عربي حكاه عنه ابن فارس والجوهري.
قلت: قد ذكر أبو بكر الأنباري في كتاب "الزاهر" له لما تكلم على معنى الفسق قول الشاعر:
يذهبن في نجد وغورا غائرا...
فواسقا عن قصدها جوائرا