قوله تعالى: ﴿بِحَمْدِكَ﴾ أي وبحمدك نخلط التسبيح بالحمد ونصله به. والحمد: الثناء، وقد تقدم. ويحتمل أن يكون قولهم: "بحمدك" اعتراضا بين الكلامين، كأنهم قالوا: ونحن نسبح ونقدس، ثم اعترضوا على جهة التسليم، أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك. والله أعلم.
قوله تعالى: ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ أي نعظمك ونمجدك ونطهر ذكرك عما لا يليق بك مما نسبك إليه الملحدون، قاله مجاهد وأبو صالح وغيرهما. وقال الضحاك وغيره: المعنى نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك. وقال قوم منهم قتادة: "نقدس لك" معناه نصلي. والتقديس: الصلاة. قال ابن عطية: وهذا ضعيف.
قلت: بل معناه صحيح، فإن الصلاة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح، وكان رسول الله ﷺ يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح". روته عائشة أخرجه مسلم. وبناء "قدس" كيفما تصرف فإن معناه التطهير، ومنه قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ [المائدة: ٢١] أي المطهرة. وقال: ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: ٢٣] يعني الطاهر، ومثله: ﴿بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً﴾ [طه: ١٢] وبيت المقدس سمي به لأنه المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب أي يتطهر، ومنه قيل للسطل: قَدَس، لأنه يتوضأ فيه ويتطهر، ومنه القادوس. وفي الحديث: "لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها". يريد لا طهرها الله، أخرجه ابن ماجة في سننه. فالقدس: الطهر من غير خلاف، وقال الشاعر:

فأدركنه يأخذن بالساق والنسا كما شبرق الولدان ثوب المقدس
أي المطهر. فالصلاة طهرة للعبد من الذنوب، والمصلي يدخلها على أكمل الأحوال لكونها أفضل الأعمال، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon