استعمالها، ومنه قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة: ٣١] على أشهر التأويلات، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعة وتسعين اسما". ويجري مجرى الذات، يقال: ذات ونفس وعين واسم بمعنى، وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١] ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٧٨] ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا﴾ [النجم: ٢٣].
الثالثة - واختلف أهل التأويل في معنى الأسماء التي علمها لآدم عليه السلام، فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير: علمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها. وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن علي قال: كنت جالسا عند ابن عباس فذكروا اسم الآنية واسم السوط، قال ابن عباس: "وعلم آدم الأسماء كلها".
قلت: وقد روي هذا المعنى مرفوعا على ما يأتي، وهو الذي يقتضيه لفظ "كلها" إذ هو اسم موضوع للإحاطة والعموم، وفي البخاري من حديث أنس عن النبي ﷺ قال: " ويجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء" الحديث. قال ابن خويز منداد: في هذه الآية دليل على أن اللغة مأخوذة توقيفا، وأن الله تعالى علمها آدم عليه السلام جملة وتفصيلا. وكذلك قال ابن عباس: علمه أسماء كل شيء حتى الجفنة والمحلب. وروى شيبان عن قتادة قال: علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لم يعلم الملائكة، وسمي كل شيء باسمه وأنحى منفعة كل شيء إلى جنسه. قال النحاس: وهذا أحسن ما روي في هذا. والمعنى علمه أسماء الأجناس وعرفه منافعها، هذا كذا، وهو يصلح لكذا. وقال الطبري: علمه أسماء الملائكة وذريته، واختار هذا ورجحه بقوله: ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ﴾ قال ابن زيد: علمه أسماء ذريته، كلهم. الربيع ابن خثيم: أسماء الملائكة خاصة. القتبي: أسماء ما خلق في الأرض. وقيل: أسماء الأجناس والأنواع.
قلت: القول الأول أصح، لما ذكرناه آنفا ولما نبينه إن شاء الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon