يا جبريل حتى سؤت ظنا" فقال له جبريل: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ [مريم: ٦٤].
فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده، وذكر نبوة رسوله ﷺ لما أنكروا عليه من ذلك فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ يعني محمدا، إنك رسول مني، أي تحقيق لما سألوا عنه من نبوتك. ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً﴾ أي معتدلا لا اختلاف فيه. ﴿لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ﴾ أي عاجل عقوبته في الدنيا، وعذابا أليما في الآخرة، أي من عند ربك الذي بعثك رسولا. ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ، أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً﴾ أي دار الخلد لا يموتون فيها، الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم، وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال. ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً﴾ [الكهف: ٤] بعني قريشا في قولهم: إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله. ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ﴾ [الكهف: ٥] الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم. ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ [الكهف: ٥] أي لقولهم إن الملائكة بنات الله. ﴿إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً. فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾ [الكهف: ٦] لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجوه منهم، أي لا تفعل. فال ابن هشام: ﴿بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ مهلك نفسك؛ فيما حدثني أبو عبيدة. قال ذو الرمة:

ألا أي هذا الباخع الوجد نفسه بشيء نحته عن يديه المقادر
وجمعها باخعون وبخعه. وهذا البيت في قصيدة له. وقول العرب: قد بخعت له نصحي ونفسي، أي جهدت له. ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الكهف: ٧] قال ابن إسحاق: أي أيهم اتبع لأمري وأعمل بطاعتي: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً﴾ [الكهف: ٨] أي الأرض، وإن ما عليها لفان وزائل، وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله؛ فلا تأس ولا يحزنك ما ترى وتسمع فيها. قال ابن هشام: الصعيد وجه الأرض، وجمعه صعد. قال ذو الرمة يصف ظبيا صغيرا:


الصفحة التالية
Icon