قوله تعالى: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ أي ما أبصره وأسمعه. قال قتادة: لا أحد أبصر من الله ولا اسمع. وهذه عبارات عن الإدراك. ويحتمل أن يكون المعنى "أبصر به" أي بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحق من الأمور، واسمع به العالم؛ فيكونان أمرين لا على وجه التعجب. وقيل. المعنى أبصرهم وأسمعهم ما قال الله فيهم.
قوله تعالى: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ أي لم يكن لأصحاب الكهف ولي يتولى حفظهم دون الله. ويحتمل أن يعود الضمير في "لهم" على معاصري محمد ﷺ من الكفار. والمعنى: ما لهؤلاء المختلفين في مدة لبثهم ولي دون الله يتولى تدبير أمرهم؛ فكيف يكونون اعلم منه، أو كيف يتعلمون من غير إعلامه إياهم.
قوله تعالى: ﴿وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾ قرئ بالياء ورفع الكاف، على معنى الخبر عن الله تعالى. وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري "ولا تشرك" بالتاء من فوق وإسكان الكاف على جهة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون قوله "ولا يشرك" عطفا على قوله: "أبصر به واسمع". وقرأ مجاهد "يشرك" بالياء من تحت والجزم. قال يعقوب: لا أعرف وجهه.
مسألة: اختلف في أصحاب الكهف هل ماتوا وفنوا، أو هم نيام وأجسادهم محفوظة؛ فروي عن ابن عباس أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله، فمشى الناس معه إليه فوجدوا عظاما فقالوا: هذه عظام أهل الكهف. فقال لهم ابن عباس: أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة؛ فسمعه راهب فقال: ما كنت أحسب أن أحدا من العرب يعرف هذا؛ فقيل له: هذا ابن عم نبينا صلى الله عليه وسلم. وروت فرقة أن النبي ﷺ قال: "ليحجن عيسى بن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد". ذكره ابن عطية.
قلت: ومكتوب في التوراة والإنجيل أن عيسى بن مريم عبدالله ورسوله، وأنه يمر بالروحاء حاجا أو معتمرا أو يجمع الله له ذلك فيجعل الله حواريه أصحاب الكهف والرقيم، فيمرون حجاجا فإنهم لم يحجوا ولم يموتوا. وقد ذكرنا هذا الخبر بكماله في كتاب "التذكرة". فعلى هذا هم نيام ولم يموتوا إلى يوم القيامة، بل يموتون قبيل الساعة.


الصفحة التالية
Icon